كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وادعى بعضهم أن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} 64: 16، يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة واستويا، فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي، أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي، فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار.
وزعم بعضهم أن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} 64: 16، نسخ قوله تعالى: {اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ} 3: 102، والصحيح أن لا نسخ، بل المراد بحق تقاته، امتثال أمره واجتناب نهية مع القدرة لا مع العجز.
واستدل به على أن المكروه يجب اجتنابه لعموم الأمر باجتناب المنهي عنه، فشمل الواجب والمندوب.
وأجيب بأن قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} 5: 90، يعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين، ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر وهو الأمر.
وقال الفاكهاني: النهي يكون تارة مع المانع من النقيض وهو المحرم، وتارة لا معه وهو المكروه، وظاهر الحديث يتناولهما.
واستدل به على أن المباح ليس مأمورا به، لأن التأكيد في الفعل إنما يناسب الواجب والمندوب، وكذا عكسه، وأجيب بأن من قال: المباح مأمور به، لم يرد الأمر بمعنى الطلب، وإنما أراد بالمعنى الأعم وهو الإذن.
واستدل به على أن الأمر لا يقتضي التكرار ولا عدمه، وقيل: يقتضيه، وقيل: يتوقف فيما زاد على مرة، وحديث الباب قد يتمسك به لذلك، لما في سببه أن السائل قال في الحج: أكل عام؟ فلو كان مطلقة يقتضي التكرار أو عدمه لم يحسن السؤال ولا العناية بالجواب، وقد يقال: إنما سأل استظهارا أو احتياطا.
وقال المازري: يحتمل أن يقال: إن التكرار إنما احتمل من جهة أن الحج في اللغة قصد تكرار، فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة، لا من صيغة الأمر، وقد تمسك به من قال بإيجاب العمرة، لأن الأمر بالحج إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق، وقد ثبت في الإجماع أن الحج لا يجب إلا مرة، فيكون العود إليه مرة أخرى دالا على وجوب العمرة.
واستدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يجتهد في الأحكام لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لو قلت نعم لوجبت»، وأجاب من منع باحتمال أن يكون أوحى إليه ذلك في الحال.
واستدل به على أن جميع الأشياء على الإباحة، حتى يثبت المنع من قبل الشارع.
واستدل به على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك.
قال البغوي في شرح السنة: المسائل على وجهين:
أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز، بل مأمور به لقوله تعالى: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 16: 43، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما.
ثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهو المراد في هذا الحديث، والله تعالى أعلم، وخرج البخاري ومسلم من حديث أبي أمامة عن بريدة عن أبي بريدة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعينيّ وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء.، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق».
لفظهما فيه متقارب، ولم يقل فيه مسلم: فنجوا. ذكره البخاري في كتاب الاعتصام.
ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف، فعند أحمد من حديث معاوية: «أن النبي صلى الله عليه وسلّم نهي عن الأغلوطات»، قال الأوزاعي: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعي أيضا: إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليظ، فلقد رأيتهم أقل الناس علما.
وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل، وقال ابن العربيّ: كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم، فأما بعد فقد أمن ذلك، لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع، قال: وإنه لمكروه إن لم يكن حراما، إلا للعلماء، فإنّهم فرعوا ومهدوا، فنفع الله من بعدهم بذلك، ولاسيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم.
وينبغي أن يكون محل الكراهية للعالم، إذا شغله ذلك عما هو أعم منه، وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما يندر، ولاسيما في المختصرات ليسهل تناوله، والله المستعان.
واستدل به على أن الاشتغال بالأهم المتاح إليه عاجلا عما لا يحتاج إليه في الحال، فكأنه قال: عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فاجعلوا اشتغالكم بها عوضا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع.
فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله، ثم يجتهد في تفهم ذلك، والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به، فإن كان من العلميات، يتشاغل بتصديقه واعتقاد أحقيته، وإن كان من العمليات، بذل وسعه في القيام به فعلا وتركا، فإن وجد وقتا زائدا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع، فأما إن كانت الهمة مصروفة عن سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع، مع الإعراض عن القيام بمقتضى ما سمع، فإن هذا مما يدخل في النهي، فالتفقه في الدين إنما يحمد إذا كان للعمل، لا للمراء والجدال، وفي كتاب الرقاق قوله صلى الله عليه وسلّم: «ما بعثني الله»، العائد محذوف، والتقدير بعثني الله به إليكم.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «أتى قوما» التنكير فيه للشيوع.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «بعيني»، بالإفراد، وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد، قيل: ذكر العينين إرشادا إلى أنه تحقّق عنده ما أخبر عنه، تحقّق من رأى شيئا بعينه، لا يعتريه وهم، ولا يخالطه شك.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «وإني أنا النذير العريان»، قال ابن بطال: النذير العريان، رجل من خثعم، حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة، فقطع يده ويد امرأته، فانصرف إلى قومه فحذرهم، فضرب به المثل في تحقيق الخبر.
قال الحافظ في الفتح: وسبق إلى ذلك يعقوب بن السكيت وغيره، وسمّى الّذي حمل عليه عوف ابن عامر اليشكري، وأن المرأة كانت من بني كنانة، وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث، لأنه ليس فيها أنه كان عريانا.
وزعم ابن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب، لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود- وكان جار المنذر- خشيت على قومها، فركبت جملا ولحقت بهم وقالت: أنا النذير العريان.
ويقال: أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة وقد سقط لحمه، وذكر أبو بشر الآمدي:
أن زنبرا- بزاي ونون ساكنة ثم موحدة- ابن عمرو الخثعميّ، كان ناكحا في آل زبيد، فأرادوا أن يغزوا قومه، وخشوا أن ينذر بهم، فحرسه أربعة، فصادف منهم غرة، فقذف ثيابه وعدا، وكان من أشدّ الناس عدوا فأنذر قومه.
وقال غيره: الأصل فيه أن رجلا لقي جيشا فسلبوه وأسروه، فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني، فرأوه عريانا فتحققوا صدقه، لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة، ولا جرت عادته بالتعري، فقطعوا بصدقة لهذه القرائن، فضرب النبي صلى الله عليه وسلّم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك، لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقة، تقريبا لأفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه.
ويؤيد ما أخرجه الرامهرمزيّ في الأمثال، وعند أحمد أيضا بسند جيد، من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلّم ذات يوم فنادى ثلاث مرات: أيها الناس، مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم، فبعثوا رجلا يترايا لهم، فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو، فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات»، وأحسن ما فسّر به الحديث من الحديث.
وأخرجه أبو الشيخ بنحوه في كتاب الأمثال في الحديث النبوي، وقال: رجاله رجال الصحيح.
[ص 297]، حديث رقم [253]، وهذا كله يدل على أن العريان من التعري، وهو المعروف في الرواية.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «فالنجاء النجاء»، بالمد فيهما، وبمد الأولى وقصر الثانية، وبالقصر فيهما تخفيفا، وهو منصوب على الإغراء، أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب، إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك.
وخرج البخاري من حديث سعيد بن ميناء قال: حدثنا- أو سمعت- جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: «جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: بأن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له بفقهها، قال بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلّم. فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا صلى الله عليه وسلّم. فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الجيش». قال الطيبي: في كلامه أنواع من التأكيدات:
أحدها: «بعيني». ثانيهما: «وإني أنا». ثالثها: «العريان»، لأنه الغاية في قرب العدو، ولأنه الّذي يختص في إنذاره بالصدق.
قوله: «فأطاعه طائفه»، كذا فيه بالتذكير، لأن المراد بعض القوم.
قوله: «فأدلجوا»، بهمزة قطع ثم سكون، أي ساروا أول الليل، أو ساروا الليل كله، على الاختلاف في مدلول هذه اللفظة.
قوله: «على مهلهم»، بفتحتين، والمراد به الهينة والسكون، وبفتح أوله وسكون ثانيه الإمهال، وليس مرادا هنا، وفي رواية مسلم «على مهلتهم» بزيادة تاء تأنيث، وضبطه النووي بضم الميم وسكون الهاء وفتح اللام.
قوله: «وكذبته طائفة»، قال الطيبي: عبّر في الفرقة الأولى بالطاعة، وفي الثانية بالتكذيب، ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق، ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان.
قوله: «فصبّحهم الجيش»، أي أتاهم صباحا، هذا أصله، ثم كثر استعماله، حتى استعمل فيمن طرق بغتة في أي وقت كان.
قوله: «فاجتاحهم»، بجيم ثم حاء مهملة، أي استأصلهم، من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته، والاسم: الجائحة، وهي الهلاك، وأطلقت على الآفة لأنها مهلكة.
قال الطيبي: شبه صلى الله عليه وسلّم نفسه بالرجل، وإنذاره بالعذاب القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبح، وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه، بمن كذّب الرجل في إنذاره ومن صدّقه الناس.
قوله: «حدثنا أو سمعت»، القائل ذلك سعيد بن ميناء، والشّاك هو سليم بن حيان، شك في أيّ الصيغتين قالها شيخه سعيد.
قوله: «جاءت ملائكة»، لم أقف على أسمائهم ولا أسماء بعضهم، ولكن في رواية سعيد بن أبي هلال المعلقة عقب هذا عن الترمذي أن الّذي حضر في هذه القصة جبريل وميكائيل، ولفظة: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوما فقال: إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي..»، فيحتمل أنه كان مع كل منهما غيره، واقتصر في هذه الرواية على من باشر الكلام منهم ابتداء وجوابا، ووقع في حديث ابن مسعود عند الترمذي، وحسنه وصححه ابن خزيمة: «أن النبي صلى الله عليه وسلّم توسّد فخذه فرقد، وكان إذا نام نفخ، قال: فبينا أنا قاعد، إذ أنا برجال عليهم ثياب بيض، الله أعلم بما بهم من الجمال، فجلست طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وطائفة منهم عند رجليه».
قوله: «إن لصاحبكم هذا مثلا قال: فاضربوا له مثلا»، كذا للأكثر، وسقط لفظ «قال» من رواية أبي ذر.
قوله: «فقال بعضهم: إنه نائم» إلى قوله: «يقظان»، قال الرامهرمزيّ: هذا تمثيل يراد به حياة القلب وصحة خواطره، يقال: رجل يقظ، إذا كان ذكي القلب، وفي حديث ابن مسعود «فقالوا بينهم: ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي، إن عينيه تنامان وقلبه يقظان، اضربوا له مثلا».
وفي رواية سعيد بن أبي هلال: فقال أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: «اسمع سمع أذنك، واعقل عقل قلبك، إنما مثلك»، ونحوه في حديث ربيعة الجرشي، عند الطبراني، زاد أحمد في حديث ابن مسعود، «فقالوا: اضربوا له مثلا»، ونؤول أو نضرب وأولوا، وفيه: «ليعقل قلبك».
قوله: «مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة»، في حديث ابن مسعود: «مثل سيد بنى قصرا»، وفي رواية أحمد: «بنيانا حصينا ثم جعل فيها مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه، فمن أجاب أكل من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عاقبه- أو قال- عذبه»، وفي رواية أحمد «عذب عذابا شديدا».
والمأدبة بسكون الهمزة وضم الدال بعدها موحدة، وحكى بالفتح، وقال ابن التين: عن أبي عبد الملك الضم والفتح لغتان فصيحتان، وقال الرامهرمزيّ نحوه في حديث «القرآن مأدبة الله» قال:
وقال لي أبو موسى الحامض: من قاله بالضم أراد الوليمة، ومن قاله بالفتح أراد أدب الله الّذي أدب به عباده. قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا يتعين الضم.
قوله: «فبعث داعيا»، في رواية سعيد: «ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه».
قوله: «فقال بعضهم: أوّلوها بفقهها»، قيل: يؤخذ منه حجة لأهل التعبير، أن التعبير إذا وقع في المنام اعتمد عليه. قال ابن بطال: قوله: «أولوها له» يدل على أن الرؤيا ما عبرت في النوم. اهـ.
وفيه نظر لاحتمال الاختصاص بهذه القصة، لكون الرائي النبي صلى الله عليه وسلّم، والمرئي الملائكة، فلا يطرد ذلك في حق غيرهم.
قوله: «فقالوا: الدار الجنة»، أي الممثل بها، زاد في رواية سعيد بن أبي هلال: «فاللَّه هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول الله»، وفي حديث ابن مسعود عند أحمد: «أما السيد فهو الله رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، والطعام الجنة، ومحمد الداعي، فمن اتبعه كان في الجنة».
قوله: «فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله»، أي لأنه رسول صاحب المأدبة، فمن أجابه ودخل في دعوته أكل من المأدبة، وهو كناية عن دخول الجنة، ووقع بيان ذلك في رواية سعيد، ولفظه: «وأنت يا محمد رسول الله، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل ما فيها».
قوله: «ومحمد فرق بين الناس»، كذا لأبي ذر بتشديد الراء فعلا ماضيا، ولغيره بسكون الراء والتنوين، وكلاهما متجه. قال الكرماني: ليس المقصود من هذا التمثيل تشبيه المفرد بالمفرد، بل تشبيه المركّب بالمركّب، مع قطع النظر عن مطابقة المفردات من الطرفين. اهـ.
وقد وقع في غير هذه الطريق ما يدل على المطابقة المذكورة، زاد في حديث ابن مسعود: «فلما استيقظ قال: سمعت ما قال هؤلاء، هل تدري من هم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هم الملائكة، والمثل الّذي ضربوا: الرحمن بنى الجنة ودعا إليها عباده» الحديث.
تنبيه:
قال الحافظ في الفتح: تقدم في كتاب المناقب من وجه آخر عن سليم بن حيان بهذا الإسناد، «قال النبي صلى الله عليه وسلّم مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة» الحديث، وهو حديث آخر، وتمثيل آخر، فالحديث الّذي في المناقب- وهو الحديث رقم [3534]- يتعلق بالنّبوّة وكونه صلى الله عليه وسلّم خاتم النبيين، وهذا يتعلق بالدعاء إلى الإسلام، وبأحوال من أجاب أو امتنع، وقد وهم من خلطهما كأبي نعيم في المستخرج، فإنه لما ضاق عليه مخرج حديث الباب، ولم يجده مرويا عنده، أورد حديث اللبنة، ظنا منه أنهما حديث واحد، وليس كذلك لما بينته.